يوضح الدكتور (الصلابي) في هذا الكتاب شخصية السلطان (عماد الدين زنكي)، وكيف أثر في تاريخ دولة السلاجقة؟ ومساهمته في تثبيت حكمها بعد أبيه، وكيف أثرت سيرة أبيه الطيِّبَة على حياته بعد وفاة والده؟ وكيف أفنى حياته في الجهاد في سبيل الله؟ وكيف كان يخشاه الصليبيون؟ وكيف كانت سياسته مع الصليبيين؟ وفتحه للحصون والقلاع وسعيه الشديد لتوحيد الجبهة الإسلامية، وقيادتها لمقاومة الاحتلال الصليبي.
ينتمي (عماد الدين بن آق سُنْقُر بن عبد الله آل ترغان) إلى قبائل (السبايو) التركمانية، وقد حظي والده (أبو سعيد آق سُنْقُر) الملقب بـِِ (قسيم الدولة)، والمعروف بالحاجب، باهتمام المؤرخين بسبب الدور الذي لعبه على مسرح الأحداث السياسية والعسكرية لدولة السلاجقة. وكان (آق سُنْقُر) من أصحاب السلطان (ملكشاه الأول)، وقيل أنه كان من أخص أصدقائه. واشترك (آق سُنْقُر) إلى جانب السلاجقة في معارك عديدة، وولّاه (ملكشاه) (حلب) تقديرًا لجهوده في انتزاعها. وكانت (حلب) تعاني من عدم الاستقرار السياسي الذي انعكس سلبًا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية فيها، وانتشار اللصوص وقطاع الطرق، إلا أن (آق سُنْقُر) أعاد إقامة الحدود الشرعية، وأقرّ مبدأ المسئولية الجماعية؛ فإذا تعرض أحد التجار لسرقة في قرية ما، فإن أهل القرية يكونون مسئولين عن دفع قيمة الضرر اللاحق بهؤلاء؛ مما أدى إلى جعل أهل القرية يساعدون الحكام في فرض الأمن.
وحدث الخلاف بين (آق سُنْقُر) و (تتش) أخو السلطان (ملكشاه)، إلا أن السلطان (ملكشاه) كان يَحُول بينهما. وبعد وفاة (ملكشاه)، طلب (تتش) السلطة لنفسه، وساعده (آق سنقر) في البداية، حتى تخلى عنه وانضم إلى (بركيارق بن ملكشاه) وساعده على الاحتفاظ بالسلطة. وكان (آق سُنْقُر) يعلم أن (تتش) سينتقم منه. وبالفعل سار (تتش) لقتاله؛ فسأله (تتش): "لو ظفرت بي ما كنت صنعت؟ قال كنت أرى قتلك"؛ فأمر (تتش) بقتل (آق سُنْقُر)، ودُفن خارج (حلب)، ثم لمّا ملك (عماد الدين)، نقل بقايا أبيه فدفنها بجانب المدرسة الرجاحية في (حلب). ولد (عماد الدين) سنة 477 هـ، وكان الابن الوحيد لأبيه، وعاش في رعاية والده مدة عشر سنوات تكوّنت خلالها الخطوط العريضة لشخصيته وتَشَرَّب من أبيه أخلاقه وصفاته، ودرّبه أبوه على الفروسية، والصبر على المشاق في الحرب. توفي عنه والده وعمره عشر سنوات، ولكن أمه عاشت حتى رأت ابنها يحكم (الموصل).
كان من العوامل الرئيسية التي ساعدت على ظهور (عماد الدين) منذ طفولته، ذلك الدور الذي لعبه والده (آق سُنقُر) في شئون دولة السلاجقة السياسية والعسكرية والإدارية، والمكانة التي حصل عليها نتيجة خدماته لسلاطين السلاجقة، حتى أنه ضحّي بحياته في سبيل الولاء للسلطان السلجوقي (بركيارق)، ولم ينس (بركيارق) تضحية (آق سُنْقُر)؛ فجازاه بعد مقتله، بتوجيه العناية والاهتمام نحو ابنه الوحيد (عماد الدين) الذي كان آنذاك في العاشرة من عمره، وكان يقيم في (حلب) تحت رعاية مماليك أبيه، وأصحابه الذين يكنون الحب العميق لـ (آق سُنْقُر). وحين تولى أمر (الموصل) قوام الدولة (كربوفا)، باسم السلطان (بركيارق)، أعطى (عماد الدين) اهتمامًا خاصًا، وطلب من بعض مماليك والده المقيمين في (حلب) إحضار (عماد الدين) إليه، وقال لهم: "هو ابن أخي، وأنا أولى الناس بتربيته، وظلت العلاقة طيبة بين (عماد الدين) وبين الأمراء الذين حكموا (الموصل)."
قرر السلطان (محمود) تزويج (عماد الدين) أرملة أحد أمرائه الكبار، وتم ذلك في احتفال شهده السلطان وعدد كبير من القادة والمسئولين؛ الأمر الذي هيأ لـ (زنكي) فرصة الظهور في محيط كبار الأمراء وتعريف رجالات دولة السلاجقة بمكانته. تدهورت العلاقة بين الخليفة (المسترشد) والسلطان (محمود) الذي رأى نفسه مضطرًا للتوجه إلى (بغداد) للقضاء على أطماع الخليفة وفرض سيطرته المباشرة على (العراق). وكان الخليفة قد أرسل بعض جيوشه للاستيلاء على (واسط)، إلا أن (زنكي) تمكن من صده والانتصار عليه في المعركة التي دارت بين الطرفين عند مشارف (واسط). وفي العشرين من ذي الحجة، وصل السلطان إلى (بغداد)، وأرسل إلى الخليفة يطلب منه إقرار الصلح؛ فرفض الأخير طلبه؛ الأمر الذي أدى نشوب القتال بين الطرفين، وقد رأى السلطان أن يعتمد على (عماد الدين) في هذا الصراع؛ فأرسل إليه يأمره بالحضور، وعندما علم الخليفة العباسي بحضوره وافق على الصلح، ومن ثم دخل السلطان (بغداد) حيث تمت المصالحة.
بعد ذلك مال السلطان السلجوقي إلى تولية (عماد الدين) إمارة (الموصل)؛ لما علم من شهامته وتمكنه من إنجاز المهام، وسَلَّمَه وَلَدَيْه (ألب أرسلان) و (الخفاجي) ليكون أتابكًا لهما – أي مربيًا –. كان (عماد الدين) حسن الصورة، أسمر اللون، مليح العينين، معتدل الطول، وكان ذا شخصية قوية، شديد الهيبة على رعيته وجنوده، جادًا في معظم الأحيان، وكان جده الصارم يمنعه من الاستسلام للراحة أو الترف، ويدفعه إلى مواصلة كفاحه من أجل أهدافه. وكان يختار الرجال الأكفاء، الذين أخلصوا له، وكانوا دعائم دولته، ودولة أبنائه من بعده؛ فقد كانت له همة عالية، ورغبة في الرجال وذوي الرأي والعقل. وكان (عماد الدين) شديد الغيرة لا سيما على نساء جنده، فإن التعرض إليهن كان من الذنوب التي لا يغفرها. وكان (عماد الدين) يشغر بمسئوليته كمسلم سواء في سياسته وعلاقاته العامة أم في سلوكه الشخصي؛ فقد كَرَّسَ حياته وطاقاته في سبيل الجهاد ضد الصليبيين.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان